نصوص الانطلاق:
قال الله تعالى:
﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
(سورة البقرة، الآية 213).
|
وضعية الانطلاق:
تمهيد:
الاختلاف بين الناس طبيعة بشرية، ويتجلى ذلك بوضوح في اللغة والعادات والتقاليد والأعراف والعقيدة والفكر والمصالح والغايات والتفكير والمشاعر والأحاسيس ...الخ، فلذلك كان لزاما على أبناء آدم أن يعالجوا مثل هذه الاختلافات بالطرق الحضارية والسلمية، ويتبعون القواعد الناظمة لها، ويتدبرونها بشكل إنساني بعيدا عن التعصب والتطرف الفكري، ويحددون الضوابط الكفيلة للحد من النزاعات والخلافات، مما حذا بهم إلى الاصطلاح على مفاهيم وقوانين وضوابط مكنتهم فيما بعد من التوافق والتعايش في جو من السلم والمحبة والتآخي.
أهداف درس:
v تمكين المتعلم من التعرف على آداب الاختلاف وكيفية تدبيره.
v تمكين المتعلم من اكتساب مهارات حسن تدبير الاختلاف.
v تمكين المتعلم من الإيمان والاقتناع بضوابط تدبير الاختلاف وتطبيقها في محيطه.
توثيق النصوص:
التعريف بسورة البقرة:
سورة البقرة مدنية من السور الطوال، عدد آياتها 286 آية، وهي السورة الثانية من حيث الترتيب في المصحف الشريف، وهي أول سورة نزلت بالمدينة المنورة، تبدأ بحروف مقطعة "ألم" ذكر فيها لفظ الجلالة أكثر من 100 مرة، بها أطول آية في القرآن الكريم وهي "آية الدين"، سميت السورة الكريمة بسورة البقرة إحياء لذكرى تلك المعجزة الباهرة التي ظهرت في زمن موسى عليه السلام حيث قتل شخص من بني إسرائيل ولم يعرفوا قاتله، فعرضوا الأمر عل موسى لعله يعرف القاتل فأوحى الله إليه أن يأمرهم بذبح بقرة وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله ويخبرهم عن القاتل وتكون برهانا على قدرة الله جل وعلا في إحياء الخلق بعد الموت، سورة البقرة من أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق وهي من السور المدنية التي تعني بجانب التشريع، شأنها كشأن سائر السور المدنية التي تعالج النظم والقوانين التشريعية التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم الاجتماعية.
الشرح اللغوي والاصطلاحي:
§ كان الناس أمة واحدة: كانوا قبل وجود الشرك فيهم أمة واحدة على الإِسلام والتوحيد وذلك قبل قوم نوح.
§ النبيّون: جمع نبيّ والمراد بهم الرسل، إذ كل نبي رسول بدليل رسالاتهم القائمة على البشارة والنذارة والمستمدة من كتب الله تعالى المنزلة عليهم.
§ الكتاب: اسم جنس يدخل فيه كل الكتب الإِلهية.
§ أوتوه: أعطوه.
§ البينات: الحجج والبراهين تحملها الرسل إليهم وتورثها فيهم شرائع وأحكاماً وهدايات عامة.
§ بغياً: البغي الظلم والحسد.
§ الصراط المستقيم: الإِسلام المفضي بصاحبه إلى السعادة والكمال في الحياتين.
مضمون النص:
ü بيان الله تعالى نوع من أنواع الاختلاف وهو الاختلاف المذموم، وبيانه لسبب هذا الاختلاف وهو الحسد، أما نتيجته فهي إيمان طائفة وكفر طائفة.
معنى الآية الكريمة:
يخبر الله تعالى أن الناس كانوا ما بين آدم ونوح عليهما السلام في فترة طويلة أمةً واحدة على دين الإِسلام لم يعبد بينهم إلا الله تعالى حتى زيّن الشيطان لبعضهم عبادة غير الله تعالى فكان الشرك والضلال فبعث الله تعالى لهدايتهم نوحاً عليه السلام فاختلفوا إلى مؤمن وكافر وموحد ومشرك، وتوالت الرسل تحمل كتب الله تعالى المتضمنة الحكم الفصل في كل ما يختلفون فيه، ثم أخبر تعالى عن سنته في الناس وهي أن الذين يختلفون في الكتاب أي فيما يحويه من الشرائع والأحكام هم الذين سبق أن أوتوه وجاءتهم البينات فهؤلاء يحملهم الحسد وحب الرئاسة، والإِبقاء على مصالحهم على عدم قبول ما جاء به الكتاب، واليهود هم المثل لهذه السنة فإنهم أتوا التوراة فيها حكم الله تعالى وجاءتهم البينات على أيدي العابدين من أنبيائهم ورسلهم واختلفوا في كثير من الشرائع والأحكام وكان الحامل له معلى ذلك البغي والحسد والعياذ بالله، وقد هدى الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لما اختلف فيه أهل الكتابين اليهود والنصارى فقال تعالى:{فهدى الله الذين آمنوا} لما اختلف فيه أولئك المختلفون من الحق هداهم بإذنه ولطفه وتوفيقه فله الحمد وله المنة.
التحليل والإيضاح:
الاختلاف مفهومه وأسبابه:
مفهوم الاختلاف:
الاختلاف: هو تعدد الآراء بين طرفين أو أكثر بسبب اختلاف الوسائل، وينبع ذلك من تفاوت أفهام الناس أو تباين مداركهم.
مفهوم الخلاف:
هو التباين في الرأي بين طرفين أو أكثر بسبب اختلاف الوسائل والغايات معاً.
الفرق بين الاختلاف والخلاف:
الاختلاف هو أن يكون المقصد واحدا، والطريق مختلفا، عكس الخلاف حيث يكون المقصد والطريق مختلفين.
أسباب الاختلاف:
ü النزعة الفردية للإنسان: شعور الإنسان بذات معنوية مستقلة تدفعه للتميز والتفرد، فيكوّن قناعات خاصة، قال الله تعالى: (إن سعيكم لشتى).
ü تباين الأفهام والمدارك: تفاوت قدرات الناس العقلية واختلاف مواهبهم وتباين مهاراتهم وتنوع معارفهم.
ü تباين الأغراض والمقاصد: تباين أهداف الناس ومصالحهم ونياتهم، قال رسول الله: (إنما الأعمال بالنيات).
ü تباين المواقف والمعتقدات: تعدد المواقف والمعتقدات والتصورات.
موقف الإسلام من الاختلاف:
يمكن تقسيم الاختلاف إلى قسمين:
أ - الاختلاف المقبول: هو كل اختلاف نابع من تباين في الفهم بسبب إشكال لفظي - تعدد دلالات التعابير المتداولة - اختلاف في فهم الأدلة الشرعية والعقلية، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ...).
ب - الاختلاف المذموم: وهو كل اختلاف يؤدي إلى نزاع أو خلاف أو صراع إلى غير ذلك، ناتج عن التعصب - إتباع الهوى - جحود الحق، قال الله تعالى: (وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون).
آداب الاختلاف في الإسلام:
من بين الآداب الاختلاف في الإسلام نجد:
ü التسامح: يرتقي بسلوك المختلفين من مستوى التعصب إلى مستوى التراضي، قال رسول الله: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى).
ü تقبل الآخر: قبول الآخر والاعتراف به واحترام حقه في التعبير عن قناعاته.
ü الحياء: شعبة من شعب الإيمان، تمنع المسلم من الاغترار بالرأي، وتقيه من الشعور بالعظمة، قال رسول الله: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستخدم فاصنع ما شئت).
ü الإنصاف: الإقرار بصحة الرأي المخالف متى ظهر صدق حجته، قال عمّار رضي الله عنه: (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار).
مفهوم التدبير:
التدبير: مجموعة من القواعد والإجراءات العملية التي يسلكها المختلف من أجل فض النزاعات وتبادل الأفكار.
طرق التدبير:
ü ضبط النفس: مخاطبة الناس بأدب ورفق، ومقابلة العنف بالحلم والجهل بالعلم، قال الله تعالى: ( والذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
ü العلم بموضوع الاختلاف: فالعلم بموضوع ما شرط لنقاشه، فالمسلم لا ينبغي له أن يجادل في موضوع يجهله أو يجهل مكوناته، إلا على سبيل الاستفسار والتعلم، قال الله تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير).
ü التفاوض: شكل راقي من أشكال تدبير الاختلاف في إطاره يتداول المختلفون الكلام ويصغي بعضهم إلى بعض، لاكتشاف نقط التلاقي وعوامل الاختلاف، وبالتالي إيجاد طريق لتسوية الخلاف بشكل يصون كرامة الطرفين ويحفظ الود بينهما.
ü التحكيم: وسيلة لرفع الاختلاف يتم فيها اختيار حكم عالم وأمين وحكيم، قال الله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا).